قال تعالى : {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَو تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَو شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة : 10 ، 14] .
شرح الآيات الكريمة :
{وقالوا} يعني منكري البعث {أ إذا ضللنا في الأرض} أي غبنا في الأرض وصرنا ترابا وكل شيء غلب عليه غيره ضلالا
وقيل إن معنى ضللنا هلكنا عن قتادة ومجاهد {أ إنا لفي خلق جديد} أي نبعث ونحيي فهو استفهام معناه الإنكار والمعنى كيف نخلق جديدا ونعاد بعد أن هلكنا وتفرقت أجسامنا ثم قال سبحانه {بل هم} أي هؤلاء الكفار {بلقاء ربهم} أي ما وعد ربهم به من الثواب والعقاب {كافرون} أي جاحدون فلهذا قالوا هذا القول .
ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {قل} يا محمد للمكلفين {يتوفيكم} أي يقبض أرواحكم أجمعين وقيل يقبضكم واحدا واحدا حتى لا يبقى منكم أحدا {ملك الموت الذي وكل بكم} أي وكل بقبض أرواحكم عن ابن عباس قال جعلت الدنيا بين يدي ملك الموت مثل جام يأخذ منها ما شاء إذا قضى عليه الموت من غير عناء وخطوته ما بين المشرق والمغرب وقيل إن له أعوانا كثيرة من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب عن قتادة والكلبي فعلى هذا المراد بملك الموت الجنس ويدل عليه قوله {توفته رسلنا} وقوله {تتوفيهم الملائكة} وأما إضافة التوفي إلى نفسه في قوله {الله يتوفى الأنفس حين موتها} فلأنها سبحانه خلق الموت ولا يقدر عليه أحد سواه {ثم إلى ربكم ترجعون} أي إلى جزاء ربكم من الثواب والعقاب تردون وجعل ذلك رجوعا إليه تفخيما للأمر وتعظيما للحال .
ثم أخبر سبحانه عن حالهم في القيامة وعند الحساب فقال {ولو ترى} يا محمد أو أيها الإنسان {إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم} أي يوم القيامة حين يكون المجرمون متطاطئي رءوسهم ومطرقيها حياء وندما وذلا {عند ربهم} أي عند ما يتولى الله سبحانه حساب خلقه يقولون {ربنا أبصرنا وسمعنا} أي أبصرنا الرشد وسمعنا الحق وقيل معناه أبصرنا صدق وعدك وسمعنا منك تصديق رسلك وقيل معناه إنا قد كنا بمنزلة العمي فأبصرنا وبمنزلة الصم فسمعنا {فارجعنا} أي فارددنا إلى دار التكليف {نعمل صالحا} من الصالحات {إنا موقنون} اليوم لا نرتاب شيئا من الحق والرسالة .
ثم قال سبحانه {ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها} بأن نفعل أمرا من الأمور يلجئهم إلى الإقرار بالتوحيد ولكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف لأن المقصود به استحقاق الثواب والإلجاء لا يثبت معه استحقاق الثواب قال الجبائي ويجوز أن يكون المراد به ولو شئنا لأجبناهم إلى ما سألوا من الرد إلى دار التكليف ليعملوا بالطاعات ولكن حق القول مني أن أجازيهم بالعقاب ولا أردهم وقيل معناه ولو شئنا لهديناهم إلى الجنة {ولكن حق القول مني} أي الخبر والوعيد {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} أي من كلا الصنفين بكفرهم بالله سبحانه وجحدهم وحدانيته وكفرانهم نعمته والقول من الله سبحانه بمنزلة القسم فلذلك أتى بجواب القسم وهو قوله {لأملأن جهنم} .
ثم قال سبحانه ما يقال لهؤلاء الذين طلبوا الرجعة إلى دار التكليف إذا جعلوا في العذاب بقوله {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا} أي بما فعلتم فعل من نسي لقاء جزاء هذا اليوم فتركتم ما أمركم الله به وعصيتموه والنسيان الترك ومنه قول النابغة : ((سفود شرب نسوة عند مفتاد))(3) أي تركوه فلم يستعملوه قال المبرد لأنه لوكان المراد النسيان الذي هو ضد الذكر لجاز أن يكونوا استعملوه {إنا نسيناكم} أي فعلنا معكم فعل من نسيكم من ثوابه أي ترككم من نعيمه جزاء على ترككم طاعتنا {وذوقوا عذاب الخلد} الذي لا فناء له {بما كنتم تعملون} من الكفر والمعاصي .