يعد إصلاح ذات البين من مكارم الأخلاق العظيمة، فقد حث عليها الشرع في أكثر من مناسبة، كما في قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)
. وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَن الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) متفق عليه .
فإصلاح ذات البين شعبة إيمانية، وشرعة إسلامية، تُستل بها الضغائن، وتصفو بها القلوب، وتخمد نيران الفتن، قال عز وجل -منوهاً بتلك الخصلة-: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)
والإسلام يحث المؤمن أن يجعل الإصلاح بين الناس أهم أهدافه في الحياة الدنيا؛ إذ بالإصلاح تصبح الأمة وحدة متماسكة، يسعى بعضها في سبيل إصلاح الآخر، وتكون فعلاً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى، وفي إهمال الإصلاح تفكيك للأمة وتفتيت لروابطها.
ولهذا جعل الإسلام الإصلاح بين الناس أفضل من كثير من العبادات. قال صلى الله عليه وسلم ((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ)؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ
إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. والإصلاح يكون برأب الصدع وإزالة الفساد الذي دبَّ بسبب الخصام والتنازع على أمر من أمور الدنيا.
فالإصلاح بين الناس عبادة عظيمة يحبها الله سبحانه، والمصلـح هو ذلك الإنسان الذي يبذل جهده وماله وجاهه وسلطته ليصلح بين المتخاصمين، وهو شخص يتصف بأن نفسه تحب الخير وتشتاق إليه، فلا يهمه رأي هذا ولا غمز ذاك ما دام يعمل لله وإرضاء له، فيقع في حرج مع هذا وذاك، ويحمل هموم إخوانه؛ ليصلح بين اثنين.
وعلى المُصلح أن يتذكر آداب الإصلاح لكي يكون معه من الله ظهير، ويحصل على ثمرة عمله، ومن أعظم هذه الآداب:
1.أن يخلص النية لله؛ فلا يبتغي بصلحه مالاً أو جاهاً أو رياء أو سمعة، وإنما يقصد بعمله وجه الله
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء/114 .
2.وعليه أيضاً أن يتحرّى العدل ليحذر كل الحذر من الظلم
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
3.ليكن صلحك مبنياً على علم شرعي، وحبذا أن تشاور العلماء في ذلك، وأن تدرس القضية من جميع جوانبها، وأن تسمع كلام كل واحد منهما.
4.لا تتعجل في حكمك وتريَّث؛ فالعجلة قد يُفسد فيها المصلح أكثر مما أصلح.
5.عليك أن تختار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين؛ بمعنى أنك لا تأتي للإصلاح حتى تبرد القضية ويخف حدة النزاع وينطفئ نار الغضب ثم بعد ذلك تصلح بينهما.