زمن الصوم الاربعيني
"وصام يسوع أربعين يومًا وأربعين ليلة "
مع أربعاء الرماد تبدأ الكنيسة الزمن التّحضيري المهم لعيد خلاصِنا، عيد الفصح. لكن حتّى نصل إلى تلك الفرحة علينا أن نمرّ في طريق شاق لمدّة 40 يوما، كانت تُسمّى أيّام الصوم الكبير. في القرن الثّاني عشر جاءت عادة تحضير الرّماد من أغصان شعانين السّنة الماضية..
كان هذا الزّمان يُعرف باسم "زمن الصِّيام الأربعيني" لأن الصِّيام عن الطّعام كان العنصر الرّئيسي المُمّيَّز في هذه الأربعين يوما حتّى يوم عيد الفصح (حسابِياً تحتوي مّدة الصّوم على 47 يوماً ولكن الكنيسة كانت تُسمّيها مُدّة الصّوم الأربعيني إذ أيام الصّيام فيها هي فعلاً 40 يوماً فقط لأنَّ الكنيسة، كانت تعفي أبنائها من الصِّيام أيام الآحاد الواقعة في هذه الفترة وعددها 7 آحاد ) ..
أمّا الأعمال الّتي كانت الكنيسة تأمر المؤمنين القيام بها في هذه الفترة، فهي لا تزال سارية المفعول حتّى اليوم، وهي القضاء على متطلبات شهوات الجسد بالحرمان عن الطّعام (الصّيام)، الرّجوع إلى الّله بالصّلاة وممارسة أعمال التقوى وقراءة الكتاب المقدّس .ثم إعطاءُ الحسنة للفقراء والمحتاجين ، لكن كلُّ هذه الأعمال ما كان لها قيمة إذا لم يُقرنُها المؤمنون بالتّوبة الشخصيّة أي بالندامة والاعتراف بالخطايا في هذا الزّمن. هل نسينا وصيّة الكنيسة الّتي كانت تقول: اعترف بخطاياك مرّة في السّنة أثناء الصوم الاربعيني ..
وللأسباب الاجتماعية الّتي طرأت على حياتنا، اضطرت الكنيسة إلى التّخلِّي عن الأوامر الصّارمة بحقِّ قصاص الجسد بالتقليل من الطّعام في هذه الفترة وأبدلتْ قوانينِ الصِّيام المُضنِية والتّطبّع مع الحياة بأخرى روحيّة، فما بقي منه سوى يومين بنفس القساوة هما يوم أربعاءِ الرّماد، أي بداية الصوم واختتِامِه يوم الجمعة الحزينة. أمّا الكنيسة الأرثوذكسية فلا تزال محافظة عليه للأربعين يوماً كما في الماضي.
الكنيسة الكاثوليكيّة بالإضافة إلى تقليل تناول الطّعام الكافي مرّة واحدة في اليوم وأقلّ ما يمكن منه في باقي النّهار، تُلزِم أتباعَها أيضاً بالانقطاع عن اللحوم لكلِّ من بلغ الرابعة عشرة من عمره وحتّى الستّين. إنَّ المقصود هو ليس إهانة النّفس، كما يفتكر الكثيرون، ولكن إبداء الإرادة القويّة بالتّملُّك على الذّات وإظهار الإرادة الصّارِمة فينا، الّتي لطالما نلجأ إليها ونستحثُّها. هذا هو الصّوم المقبول عند الّله..
لقد جرت العادة طيلة هذه المُدة أنْ تُمارس الكنيسة صلوات جميلة يشترك فيها المؤمنون كصلاة درب الصّليب كلَّ أيام الجمعة في هذه الفترة للتّأمُّل بآلام المسيح الخلاصيّة، ثم حضور القدّاس اليومي إذا أمكن. أما الأعمال الخاصة فهي متروكة للشّخص. فهناك من يصوم عن الكحول طيلة تلك المدّة وآخرون عن الدّخان واكل الحلويات، وغيرهم عن مشاهدة التلفزيون أو سماع الرّاديو. هذه كلّها أعمال لها قيمتها إذا ما أَتْممناها بهدف ديني ومحبّة في التّعبّد للــه. فمن يجتهد في تقديس هذه الأيام، لن ينساه المسيح من على صليبه. هذا وقت مُقدّس فلنُجْهِد نفوسنا بإتمام أعمال صالحة .