مريم العذراء هي الصِّدِّيقة مريم بنت عمران، أمُّ عيسى -عليهما السّلام-، من بني إسرائيل، وأمّها حنة بنت فاقوذا بن قبيل، وزكريا عليه السّلام زوج خالتها، وقيل زوج أختها، وعلى القول الأول يكون يحيى بن زكريا ابن خالة مريم أمّ عيسى عليهم السّلام، وعلى القول الثاني يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهما السّلام،
وقد أثنى القرآن الكريم على مريم عليها السّلام، وذَكَرَها في عدة سور، بل وسمَّى سورة باسمها، حيث وَرَدَ فيها معجزة ولادتها عيسى عليه السلام من غير أب، ودون أن يمسسها بشر، وموقف قومها من ذلك.
النبي عيسى عليه السلام جاءت مريم عليها السّلام إلى قومها، وهي تحمل طفلها بين يديها؛ فاستقبلوها بالسؤال والتعجب والاستنكار والاتهام، قال تعالى: " فَأَتَت بِهِ قَومَها تَحمِلُهُ قالوا يا مَريَمُ لَقَد جِئتِ شَيئًا فَرِيًّا، يا أُختَ هارونَ ما كانَ أَبوكِ امرَأَ سَوءٍ وَما كانَت أُمُّكِ بَغِيًّا "،
لكنها لم تجبهم، بل أشارت إلى عيسى عليه السلام، الذي أنطقه الله -سبحانه وتعالى- وهو لا يزال طفلًا رضيعًا، فقال مُعَرِفًا بنفسه، ومثبتًا ومؤكدًا براءة وعفة وطهارة والدته، فيما يرويه الله -سبحانه وتعالى- عنه: "إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا "
فعيسى عليه السلام عبد الله، اصطفاه -سبحانه وتعالى- ليكون نبيًا رسولًا، وهو أحد الرسل الخمسة أولي العزم المذكورين في قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا".
قصة عيسى عليه السلام
أرسل الله -سبحانه وتعالى- عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، وأنزل عليه الإنجيل مصدقًا لما بين يديه من التَّوراة، ومبشرًا بمجيء رسول من بعده، هو سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ" وقد أَيَّدَه الله سبحانه وتعالى بالمعجزات؛ لتكون دليلاً على صدق دعوته، قال تعالى:" إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ" .
ولكن رغم تأييد الله -سبحانه وتعالى- لسيدنا عيسى -عليه السلام- بكل تلك المعجزات، ألّا أن بني إسرائيل قابلوه بالكفر والعناد، واتهموه بالسحر، وتآمروا عليه، وحاولوا قتله، ولَكِنَّ الله -سبحانه وتعالى- عصمه منهم برفعه إلى السماء، ولم يؤمن منهم إلا عدد قليل، وهم الذين سمّاهم الله -سبحانه وتعالى- بالحواريين، وهم الذين طلبوا من عيسى -عليه السلام- أن يدعو الله لينزل عليهم مائدة من السَّماء؛ لتطمئن قلوبهم ويزدادوا إيمانًا مع إيمانهم؛ فاستجاب الله -سبحانه وتعالى- لدعاء عيسى عليه السلام، وأنزلها عليهم. مضامين قصة عيسى عليه السلام مما يُستفاد من قصة عيسى عليه السلام أنّه عليه السّلام عبد الله، أكرمه بالنبوة والرسالة، وأجرى على يديه العديد من المعجزات، وأنّه لم يُصْلَب ولم يقتل، بل رفعه الله -سبحانه وتعالى- إلى السماء، وسينزل قبل يوم القيامة متبعًا دين محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، قال تعالى: "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" ، وأن أمّه مريم من خير نساء الأرض، وأن ولادته معجزة من معجزات الله -سبحانه وتعالى- تشهد على قدرته وعظمته جلّ وعلا، وأنّ صفة اليهود على مر الزمان الكفر بدعوة الرسل والعناد والمكر، و قد كان المسيح عليه السلام آخر أنبياء بني إسرائيل.